المستشار الملكي ووزير الخارجية والشاعر والأديب فؤاد باشا الخطيب

فؤاد باشا الخطيب – المولد والنشأة والدراسة

وُلد فؤاد باشا الخطيب في الريف اللبناني، في القرية ذاتها التي وُلد فيها الرئيس بهيج بك الخطيب، والمذكورة في المقال السابق: قرية شحيم الواقعة في إقليم الخروب، قضاء الشوف، عام 1880.

نشأ في عائلة لبنانية عُرفت بالعلم والأدب، وتولّى عدد من رجالها مناصب رفيعة في الدولة خلال عهد السلطنة العثمانية. تلقّى تعليمه الابتدائي في مدرسة طانيوس (الشويفات)، ثم انتقل إلى مدرسة سوق الغرب (قضاء عالية)، حيث أتمّ دراسته الإعدادية والثانوية، قبل أن يلتحق بالدراسة الجامعية في ما كان يُعرف بالكلية الإنجيلية السورية، المعروفة اليوم بالجامعة الأمريكية في بيروت.
في الجامعة، برز نشاط فؤاد باشا السياسي، حيث انضم إلى الجمعيات العربية السورية المطالبة بحرية العرب. وسطع نجمه الشعري والخطابي مبكرًا، فهو الذي سيُصبح لاحقًا من أبرز شعراء العرب.

فؤاد الخطيب الأديب والشاعر الثائر: حكم الإعدام والانتقال إلى مصر

أنهى الخطيب دراسته الجامعية عام 1904، ثم انتقل إلى فلسطين حيث عمل مدرّسًا للغة العربية والتاريخ في الكلية الأرثوذكسية في يافا.

ونظرًا لكونه عضوًا بارزًا في "جمعية المنتدى الأدبي" المعروفة بنزعتها الثورية ونهجها القومي العربي، ولكونه من المعارضين للاتحاديين الذين انقلبوا على السلطان عبد الحميد الثاني، صدر بحقه حكمٌ بالإعدام غيابيًا، وتقرر اعتقاله.

إثر الحكم، لجأ فؤاد باشا سرًا إلى مصر عام 1909، وأقام فيها عامين قضاهما في القاهرة، حيث التقى بكبار أدباء وشعراء مصر، أمثال: أحمد شوقي، وخليل مطران، وإسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وقامت بينهم صداقة متينة. ثم انتقل لاحقًا إلى السودان، حيث مكث حتى عام 1916 مدرسًا للغة العربية في كلية "غوردون" في الخرطوم.


فؤاد الخطيب والشريف حسين بن علي والثورة العربية الكبرى

في عام 1916، اندلعت الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين بقيادة الشريف حسين بن علي. فانتقل فؤاد باشا الخطيب من السودان إلى مكة المكرمة، وكان من أبرز الشخصيات العربية المشاركة فيها.

شارك بفعالية في الجهد السياسي والإعلامي، حيث كان هو كاتب رسائل الحسين–مكماهون، نظرًا لإتقانه اللغة الإنجليزية. ويُروى أن الإنكليز قد افتعلوا خلافًا على الحدود الباكستانية، لينتقل الخطيب إلى هناك لمعالجة الأزمة، فيغروا بعض بنود الاتفاقية مستغلين غيابة عن الشريف حسين.

شغل الخطيب عدة مناصب هامة منها:

  • محرّر الجريدة الرسمية للحكومات العربية في الحجاز.

  • شارك في مؤتمر فرساي للسلام عام 1919، إلى جانب الأمير فيصل بن الحسين.

  • شغل منصب أمين الشؤون الخارجية في الحكومة الفيصلية بدمشق حتى سقوطها عام 1920.

  • عين وزيراً للخارجية في حكومة الحجاز الهاشمية (1920–1924)، حتى مغادرة الشريف حسين للحجاز.

  • عمل كمستشار للأمير عبد الله بن الحسين، ورئيساً للديوان الأميري الأردني لاحقًا.


فؤاد الخطيب وفتور العلاقة مع الشريف اعتراضاً على تنامي النفوذ البريطاني

في عام 1939، ومع اشتداد التوترات الدولية عقب اندلاع الحرب العالمية الثانية، غادر فؤاد باشا الخطيب الأردن، احتجاجًا على تنامي النفوذ البريطاني فيها، إذ لم يرق له ذلك التقارب السياسي الأردني-البريطاني. فعاد إلى لبنان، حيث استقر في بيروت في منطقة برج البراجنة، منكبًّا على شغفه الأدبي والشعري، ومنصرفًا إلى التأليف والكتابة.

ثم انتقل فترة إلى العراق، تلبيةً لطلب الملك فيصل، ليتولى مهمة تعليم نجله الأمير غازي، الذي أصبح لاحقًا ملكًا للعراق.


فؤاد الخطيب والملك عبد العزيز آل سعود ومرحلة تأسيس المملكة

في عام 1945، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، تلقّى فؤاد باشا الخطيب دعوة ملكية من مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك الراحل عبد العزيز آل سعود، للالتحاق ببلاطه مستشارًا سياسيًا. ولم تقتصر مهامه على هذا المنصب، فشغل مواقع دبلوماسية رفيعة، منها: وزير مفوّض، وسفير فوق العادة للمملكة في العاصمة الأفغانية كابول -فقد كان لأفغانستان أهمية خاصة لكونها منطقة عازلة بين القوتين الاستعماريتين الكبريين آنذاك: الاتحاد السوفيتي في الشمال وبريطانيا (الهند البريطانية) في الجنوب-، وقد صدر مرسوم ملكي تقديرًا لعطائه وإسهاماته،  بتعيين جميع أحفاده تباعًا سفراء باسم المملكة، في لفتة نادرة تحمل أبعادًا رمزية وتاريخية.

كما كان من اللافت، بل والعجيب، كيف أن فؤاد باشا الخطيب قد استطاع أن يحتفظ بعلاقات متينة مع كلٍّ من الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، والشريف حسين بن علي، رغم ما نشب بين الرجلين من صراع سياسي وعسكري كبير في مرحلة تأسيس المملكة العربية السعودية. فلم يكن الخطيب سياسيًا انتهازيًا أو كيديًا، بل كان رجل قضية، متمسكًا بفكرة وحدة الأمة العربية، ومخلصًا للمبادئ التي حملتها الثورة العربية الكبرى، التي كان من أبرز وجوهها.

رأى فؤاد الخطيب في الملك عبد العزيز شخصية استثنائية جمعت بين الحزم والرؤية، وبين القيادة والوحدة، وكان الملك عبد العزيز يقدّر الثقافة والشعر العربي، وقد رأى في فؤاد باشا الخطيب صوتًا عربيًا أصيلًا ومثقفًا جامعًا، فقرّبه إليه، ومنحه مساحة للتعبير والتأثير.

ومما قاله الشاعر فؤاد الخطيب في الملك المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود:

وانجاب عهد الدويلات التي انتشرت === شبه الجراد وفيها الشؤم معهود
كانت ممزقة الاطراف مرهقــــــــــة === فالخد منعفر والركن مهــــــــدود
فاصبحت بعد ضم الشمل مملكـــــــة === بك استتب لها بعث وتجديــــــــد
وانها الخطوة الاولى لثانيــــــــــــــة === اخرى اشرأب اليها نحوك الجيــد 

الأديب والشاعر فؤاد باشا الخطيب

كان الخطيب شاعرًا بارزًا وأديبًا موسوعيًا، وأحد أصدقاء أحمد شوقي، وخليل مطران، وحافظ إبراهيم. ترك أثراً أدبيًا وثقافيًا واسعًا يشهد له تاريخه الطويل في الصحافة، والكتابة، والمسرح، والخطابة.

من أبرز مؤلفاته:

  • ديوان الخطيب.

  • فتح الأندلس (مسرحية شعرية).

  • فؤاد اللغة العربية.

  • جغرافية البلاد العربية.

  • تاريخ الأدب العربي.

  • بالإضافة إلى عشرات المقالات والمحاضرات المنشورة في الصحف والمجلات العربية.


الوفاة في أفغانستان وعودة الجثمان إلى الوطن

في عام 1957، وأثناء تواجده في كابول، أصيب فؤاد باشا الخطيب بأزمة قلبية حادة نتيجة انسداد في الشريان التاجي، فتوفي هناك. نُقل جثمانه إلى لبنان، ودُفن في مسقط رأسه قرية شحيم، بعد حياة حافلة قضاها في خدمة السياسة والأدب.


ملاحظات

  • النسب: من حيث النسب والقرابة، فإن المستشار فؤاد باشا الخطيب هو قريب الرئيس بهيج بك الخطيب، وبالتالي فهو من أجدادنا، آل الخطيب القاطنون في شحيم ومزبود، والمنسوبون إلى السادة الأشراف: علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين.

  • المراجع: كتبت هذا المقال كسابقه، اعتمادًا على مقالات تاريخية منشورة، وعلى روايات أبناء عمومته الذين عرفوه شخصيًا، وليس بدافع التجميل أو العاطفة العائلية. وقد استعنت بمعلومات موثقة منشورة، خاصة من موسوعة ويكيبيديا، بل واستخدمت بعض العبارات كما وردت فيها.


في الختام

أجدد التحية إلى أبناء عمومتنا من عشيرة آل الخطيب، إحدى أكبر عشائر العرب.

أخوكم: أحمد عبد القادر الخطيب
مزبود – لبنان
٩ تموز ٢٠٢٢

تعليقات

الأكثر قراءة على المدونة

لمن يسأل عن سبب إعجابي بصاحب السمو الملكي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إليكم الإجابة في الفيديو التالي:

كلمة الرئيس اللبناني جوزيف عون في القمة العربية، وأبرز ما ورد في زيارته ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان